الثقافة كوسيلة للتمكين النفسي والاجتماعي في مواجهة القمع اليومي: تجربة سجن نابلس المركزي في سبعينات القرن الماضي

Authors: 
د. سامي الكيلاني
Abstract: 

قبل الحديث عن هذا الموضوع وعمّا يمكن أن يورده هذا العنوان من تداعيات، لا بد أن هناك من يتساءل: ما علاقة الموضوع بتجليات تاريخ المدينة؟ تهدف فكرة إدراج هذا الموضوع في مؤتمر عن تجليات المدينة إلى هدفين أساسيين: الأول القول بأن الحركة الاعتقالية بتاريخها وما قدمته لنضال هذا الشعب من أجل التحرر من نير الاحتلال جزء لا يتجزأ من تاريخ المدينة والوطن، ويتمثل الثاني في الدعوة إلى الحفاظ على تراث هذه الحركة بكل أشكاله. وكنت وغيري الكثيرين من المعتقلين القدامى والمهتمين بهذا المجال قد دعونا إلى تحريم استعمال المكان ذاته من معتقل يديره الاحتلال إلى معتقل تديره السلطة الوطنية الفلسطينية، حتى وإن اقتصر استعماله على السجناء الجنائيين. هذا المكان يستحق أن يكون متحفاً لتراث هذه الحركة أو أي شيء مفيد إلاّ أن يكون معتقلاً. وللأسف فإن بناء السجن القديم (سجن نابلس المركزي) قد دمّر في اقتحام عسكري احتلالي غاشم، ولم تختتم حياته بهذا التغيير الذي يعطيه الحق في إزالة الوصمة عنه من معتقل لطلاّب الحرية وجعله معلماً يحتوي الإرث والتراث النضالي التحرري الذي صنع بين جدرانه وفي جنباته. الفرصة لا زالت ليأخذ سجن جنيد حقه في هذا التغيير. قبل أعوام وقبل مجيء السلطة الوطنية الفلسطينية إلى هذه المدينة، وحينما كان المحتلون يحضّرون للخروج من بين مساماتها وبضمن ذلك السجن، قرأت عن اجتماعات لما يسمى بقسم التاريخ، كما أعتقد، في جيش الاحتلال تم فيها مناقشة ما الذي يجب عمله قبل مغادرة السجون، وكان رأي هؤلاء الخبراء يتلخص بضرورة دهن الجدران حتى لا تبقى علامات السجناء وما حفروه على الجدران ليأتي السجناء السابقون مع أطفالهم وأحفادهم للزيارة والتذكر والتعليم. كتبت يومها ساخراً من هذه الرؤوس المفكرة لأقول أن طمس الجدران لا يطمس الحقيقة والإرث الإنساني الكبير لمناضلي الحرية المكبلين بالقيود بين الجدران وخلف القضبان. تنفرد جامعة القدس وفي حرمها الكائن في بلدة أبو ديس بمتحف للحركة الأسيرة، بينما نابلس التي ابتليت بسجنين في أيام الاحتلال وفي الوقت ذاته تشرفت باحتضان حركة اعتقالية أبدعت أيما إبداع من المنظور النضالي السياسي ومن منظور الصمود الإنساني لم تفكّر في تحويل أي من المكانين أو جزء من أحدهما إلى مثل هذا المعلم الذي يعكس قدرة الإنسان الفلسطيني على أن يكون حراً في روحه وإبداعه رغم أنه المقيّد بأسوأ  القيود المادية.هذه الورقة بداية لفكرة بحثية تطبق منظور النظم على مجتمع المعتقلين وما حصل في هذا المجتمع/ النظام من علاقات ومواقف أدت إلى تمكين المعتقلين أفراداً وجماعات وحركة تمثل مجتمعاً محلياً بالمفهوم المهني للتعبير.