الخطاط عبد الله الزهدي النابلسي كاتب الحرمين الشريفين "دراسة تاريخية وثائقية - آثارية فنية"

Authors: 
د. سامي صالح عبد المالك البياضي
Abstract: 

تُعتبر مدينة نَابُلُس من المدن الإسلامية الفلسطينية الخصبة برجالها الذين ذاع صيتهم في شتى المعارف والعلوم والفنون عبر العصور الإسلامية المتعاقبة، ومن هؤلاء الرجالات المبدعين الخطاط القدير عَبّداللهِ بك الزُّهْدُي بن عبدالقادر أفندي النَابُلُسي كاتب الحَرَمين الشَرِيفَيْن، ويتصل نسبه بالصحابي الجليل تميم بن أوس الداري - رضي الله عنه- ( ت 40هـ/660-661م ) الذي أقطعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مدينة الخليل بفلسطين، ويعتز عَبّداللهِ الزُّهْدُي النَابُلُسي بكتابة هذا النسب فنجده في كتابات المسجد النبوي الشريف، وسبيل أم عباس بالقاهرة، والكثير من اللوحات الخطية التي خطها.
وقد هاجر أجداده من نَابُلُس إلى دمشق الشام، وبعد ذلك هاجر مع والده في سنة 1251هـ/1836م إلى تركيا حيث مدينة كُوتاهية ” Kütahya “ أولاً، ثم انتقل منها إلى عاصمة الخلافة مدينة إسطنبول ” الأستانة، Istanbul “.
وكانت بدايته مع فن الخط بتشجيع من والده عبدالقادر أفندي النَابُلُسي، ثم تتلمذ على يدي كبار الخطاطين في عصره، من أمثال الخطاط راشد أفندي حارس قبر الصحابي أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه- الذي استشهد عند أسوار القسطنطينية ” إسطنبول “ آنذاك، وكذلك قاضي العسكر الخطاط مصطفى عزت أفندي، حيث تعلم منه خطي الثلث والنسخ، ولما حذق عَبّداللهِ الزُّهْدُي النَابُلُسي هذا الفن عُين مدرساً للرسم والخط في مدرسة جامعة نور عثمانية ... الخ.
أما بداية شهرة عَبّداللهِ الزُّهْدُي النَابُلُسي فكانت عندما أراد آنذاك السلطان العثماني عبدالمجيد الأول ( 1255-1277هـ / 1839-1861م ) تعمير وتوسعة المسجد النبوي الشريف عمارة شاملة، فاختاره دون كبار الخطاطين التي كانت تذخر بهم عاصمة الخلافة مدينة إسطنبول على الرغم من صغر سنه، وأمره بالتوجه إلى المدينة المنورة في سنة 1270هـ/1853-1854م لكتابة خطوط المسجد النبوي، وظل عَبّداللهِ الزُّهْدُي يمارس عمله في المدينة حوالي عشر سنوات تقريباً حتى أنجز العمل على أحسن وجه في سنة 1279هـ/1862م، فكتب مجموعة من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية الشريفة، والأشعار التي قيلت في مدح رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والخطوط التي كتبها عَبّداللهِ الزُّهْدُي النَابُلُسي لا تزال باقية تدل على براعته في هذا الفن الرفيع، وهي من حيث طولها تبرز لنا أن عَبّداللهِ الزُّهْدُي النَابُلُسي هو صاحب أكبر قدر من كتابات خط الثلث، بحيث لا يتعداه خطاط آخر في زمنه وحتى يومنا هذا.
وبعد الانتهاء من كتابة كتابات المسجد النبوي الشريف توجه عَبّداللهِ الزُّهْدُي النَابُلُسي إلى مِصْر في سنة 1283هـ/1866م وكان صيته قد سبقه ككاتب الحَرَمين الشَرِيفَيْن، فاستقبله خديوي مِصْر إسماعيل باشا ( 1280-1296هـ/1863-1879م )، وأطلق عليه لقب خطاط مِصْر الأول، وكانت مِصْر تشهد نهضة معمارية تحديثية، فأوكل إليه مهمة كتابة الخطوط على المساجد والمدارس وغيرها من منشآت معمارية تم تشييدها في ذلك العصر، وكذلك كتابة الآيات القرآنية على كسوة الكَعْبَة المُشَرَّفَة، فأبدع فيها أيما إبداع. كما كان بالإضافة إلى ذلك يقوم بتدريس فن الخط في المدرسة الخديوية، فتخرج على يديه الكثير من كبار الخطاطين.
وبعد حياة حافلة بالعطاء وبعد أن أصبح علماً من أعلام الخط العربي توفي عَبّداللهِ الزُّهْدُي النَابُلُسي كاتب الحَرَمين الشَرِيفَيْن في سنة 1296هـ/1879م.
وقد رصدت جل أعماله وآثاره الباقية وتوقيعاته، والكثير من الوثائق، واللوحات الخطية لمشروعات تم تنفيذها، ولعل أهمها الدالة على عبقريته في فن الخط العربي على سبيل المثال لا الحصر: كتابات المسجد النبوي الشريف حيث قمت بتصويرها شبه كاملة لأول مرة، وكتابات ميزاب الكَعْبَة المُشَرَّفَة التي دراستها في معرض عمارة الحَرَمين الشَرِيفَيْن بحي أم الجود في مكة المكرمة، وسبيل أم عباس بمدينة القاهرة، وكتابات كسوة الكَعْبَة المُشَرَّفَة بقطعها المختلفة، والمحمل وعلم بيرق المحمل، كما كتب نسخة من القرآن الكريم، وله العديد من اللوحات الخطية تحتفظ بها المُتاحف والمجموعات الخاصة العالمية.