البيمارستانات في مدينة نابلس

Authors: 
أ. عبدالله كلبونة
Abstract: 

تقوم مدينة نابلس في منطقة غنية بينابيع المياه العذبة وسط فلسطين, على واد جبلي مستطيل الشكل يمتد من الشرق الى الغرب، ويقع ما بين جبلي عيبال (1) (الشمالي) وجرزيم(2) ( الجنوبي)(3).
أسست مدينة نابلس في أواسط الالف الثالث قبل الميلاد على يد العرب الكنعانيون الذين اقاموها عند المدخل الشرقي المفتوح لمدينة نابلس الحالية فوق تل كبير يدعى بتل بلاطة(4), وقد دعوها باسم شكيم (SHECHEM ) الذي يعني (المكان المرتفع) أو (الكتف)(5).
شهدت مدينة شكيم عبر تاريخها الطويل عدة أدوار حضارية تمثلت ببنائها وهدمها أكثر من مرة.كما عرفت خلال ذلك كثيرا من الغزاة والفاتحين حتى آلت أخيراً الى الرومان الذين سقطت في أيديهم سنة 63 ق.م (6).
وفي سنة 69-72م قرر الروملن هدمها للمرة الاخيرة, وبناء مدينة جديدة الى الغرب منها قليلا أي في داخل الوادي الذي تقوم عليه البلدة القديمة من نابلس الآن, وقد أطلق عليها الرومان إسم نيابولس ( NEAPOLIS) وهي لفظة رومانية لاتينية وتعني المدينة الجديدة التي تحرفت عنها في ما بعد لفظة نابلس الحالية(7).
لقيت مدينة نيابولس من الرومان كل رعاية وإهتمام معماري وإداري وديني حتى أصبحت المواطنة فيها لها نفس حقوق المواطنة في روما.كما أصبح لها الحق في إصدار وسك النقود الخاصة بها(1).
وفي سنة 15ھ/ 636 م تم فتح مدينة نابلس على يد القائد عمرو بن العاص (2).حيث بدأت نابلس بذلك تشهد مرحلة تاريخية تختلف كلياً عن مراحلها التاريخية السابقة, إذ أنها وخلال القرنين الهجريين الأولين من فتحها جرت في نابلس مجموعة كبيرة من التحولات السكانية واللغوية والدينية والمعمارية, بحيث أصبح سكانها نتيجةُ لهذا يتكونون من سامريين ونصارى وغالبية إسلامية عربية (3)وقد بقيت على ذلك ولا زالت منذ فتحها وعبر العهود الاسلامية التي تعاقبت عليها إبتداءاً من العهد الراشدي, والاموي والعباسي والفاطمي وفترة الاحتلال الصليبي, والعهد الايوبي والمملوكي والتركي العثماني حتى سقطت بيد الاحتلال الانجليزي سنة 1918م على أثر هزيمة الاتراك العثمانيين في الحرب العالمية الاولى أمام الحلفاء(4) حيث بدأت نابلس بذلك صفحة جديدة من تاريخها ولا زالت تعيش آثارها الى اليوم.
وعليه فإن نابلس وعبر تاريخها الطويل هذا غرفت كثيراً من أوجه النشاط الحضاري والسياسي والاقتصادي والمعماري والاجتماعي والديني, وكان من بين هذه النشاطات الحضارية ( نظام البيمارستانات) أي المستشفيات بشقيها الطبي والمعماري, وهي تعتبر من أهم المنشآت المعمارية والطبية والعلمية والاجتماعية التي تمس حياة المواطنين جميعاً ولا تقتصر على طبقة واحدة دون غيرها أو دين دون الأديان الاخرى.ولهذا كانت ولا زالت تعتبر من الاهمية بمكان في تاريخ وحياة سكان نابلس الى اليوم.
وبالرغم من هذه الاهمية الا أن الرحالة والمؤرخين الذين زاروا نابلس, وكتبوا عنها عبر مراحلها التاريخية المتعاقبة لم يقدموا لنا ما يكفي من معلومات خاصة بها توضح هذه الاهمية سواء فيما يخص تاريخ انشاؤها في المدينة أو أساليبها وأنظمتها المعمارية والطبية والإدارية التي كانت عليها. بل أن هذه المعلومات الخاصة بها وعلى قلتها كانت مقتضبة جداً ولا تفي بالغرض المطلوب منها وهكذا كان حال باحثينا الجدد في هذا الميدان الحضاري من تاريخ وحضارة مدينة نابلس.
ومن هنا تأتي أهمية هذا البحث الذي سوف يلقي الضوء على بيمارستانات نابلس التاريخية بحيث يوضح تاريخ نشأتها في المدينة وأنواعها ووظائفها وأماكن توزيعها من نابلس.وكل هذا بقدر ما توافر إلينا من معلومات خاصة بها وردت لدى المصادر التاريخية أو أثناء مسحها المعماري الأثري الميداني.
وعليه يشتمل هذا البحث على تمهيد وتقديم وفصلين وملحق. وقد كان الفصل الأول منهما بعنوان ( تاريخ البيمارستانات) الذي استعرضتا فيه التعريف بكلمة بيمارستان. وتاريخ الطب ونشأة البيمارستان, وأنظمته الطبية والإدارية والعلاجية وأنواعه وعمارته الخاصة به. أما الفصل الثاني فهو بعنوان ( البيمارستانات في مدينة نابلس) ونعرض فيه تاريخ الطب في المدينة, والحالة التي كان عليها حتى عهد قريب.وتاريخ نشأة البيمارستان في نابلس ومن ثم وضع قائمة بالبيمارستانات التاريخية في المدينة والحديث عن كل واحد منها.بحيث نوضح تاريخه وعمارته ووظيفته وما مر به من أحداث تاريخية أدت إلى توقفه بل وإندثاره أو استمراره إلى اليوم.
وفي الملحق، أوردنا قائمة بأسماء وتواريخ إنشاء المستشفيات من خاصة وعامة التي ظهرت في المدينة منذ إنتهاء العهد التركي العثماني وحتى اليوم. آملين بذلك بأن نضع صورة شبه متكاملة على الأقل من بداية إنشاء أول بيمارستان أقيم في المدينة وحتى آخر بيمارستان يقوم بها حالياً.
والله الموفق