نموذج مقترح لإنشاء صندوق الوقف التعليمي

Authors: 
د. محمود عبد الكريم أحمد إرشيد
Abstract: 

توسع الناس في حياتنا المعاصرة في الاستفادة من مفهوم الوقف التعليمي على الصعيد المجتمعي، بحيث تتجه أوقاف عدد كبير من العائلات والمؤسسات والأفراد الذين تخرجوا من الجامعة، والمؤمنين بثواب الوقف التعليمي، إلى هذا القطاع الحيوي الذي يمثل مستقبل الوطن وقاطرة تنميته في مختلف المجالات التي يحتاجها المجتمع، فوزع العبء التعليمي على أعداد أكبر من بيئة الجامعة لتحقيق الابداع الذي نصبو إليه. ومما تجدر الإشارة إليه أنه ما يزال الوقف التعليمي بعيداً عن المساهمة المجتمعية في الوطن العربي، فإنه في الغرب يمثل إحدى الركائز الأساسية التي تقوم عليها النهضة التعليمية، حيث تبلغ ميزانية الوقف المخصص لجامعة هارفارد في الولايات المتحدة الأميركية، حسب إحصاء العام الماضي، 40 مليار دولار وهي تزيد بصورة سنوية. فالوقف التعليمي أصبح في الآونة الأخيرة إحدى الركائز الأساسية في استراتيجيات تطوير التعليم والجامعات بصورة خاصة، وهناك جهود حثيثة تبذلها مؤسسات التعليم العالي للانطلاق بالجهود المجتمعية نحو الوقف التعليمي في كثير من الدول، خصوصاً فيما يتعلق بتخصيص كراسي أكاديمية تحمل أسماء عائلات وأفراد ومؤسسات وطنية، وشخصيات اجتماعية مرموقة. وما نحتاجه في هذه المرحلة من حياة جامعتنا هو طرح استراتيجية شاملة للوقف التعليمي تتيح الفرصة لأبناء المجتمع بالقيام بواجبهم تجاه خدمة الجامعة والنهوض بمرافقها الحيوية، ورد الجميل لها كجامعة أم انطلقت من خلالها منارات النهضة الحضارية التي يشهدها الوطن، إذ لا يوجد بيت في مختلف أرجائه إلا ويسطع فيه نور جامعة النجاح الوطنية. وصندوق الوقف التعليمي يتيح لرجال الأعمال والمؤسسات المشاركة، والأفراد من خريجي الجامعة، والمؤمنين بالوقف التعليمي وخدمة هذا المجتمع، في تأسيس برامج أكاديمية متطورة تخدم المجتمع، عبر ما يقدمه له من هبات وقفية نقدية لدعم البرامج الطموحة التي يصبو إلى تقديمها بحسب رغبة الواقفين. إن الوقف يعتبر أول مؤسسة مدنية في تاريخ الإنسانية حيث شكل مصدراً للتمويل في رعاية الجوانب التعليمية والبحثية في المجتمع العربي والإسلامي قديماً، كما أن أول جامعات نشأت في تاريخ البشرية كانت في العالم الإسلامي وتأسست على الأوقاف التي أنشأها المجتمع خصوصاً النساء، فجامعة القرويين التي أنشأت منذ - 1155 -عاماً قامت على وقف أنشأته السيدة فاطمة الفهرية، وعندما رجع الأوروبيون من الحروب الصليبية، حاولوا نقل ما وجدوه من مؤسسات وأفكار ونظم إيجابية ومفيدة إلى المجتمعات الأوروبية الغارقة في التخلف والظلام في ذلك الوقت، كانت فكرة الأوقاف أول ما نقلوه. 117 مع علمكم أن أول وقف في التاريخ الأوروبي تم تأسيسه العام - 1254 - وأنشأه مستشار الملك جورج الثالث السير دي ميرتون، وكانت تلك بداية جامعة أوكسفورد، إضافة إلى أن نص وثيقة الوقف منقول حرفياً من وثائق الوقف الإسلامية، ومن هنا بدأت الجامعات الأوروبية تتصاعد بالأوقاف، مضيفاً أنه عندما نشأت جامعة القاهرة في عام 1904 أنشأتها السيدة فاطمة بنت إسماعيل باشا بالتعاون مع رجل الأعمال مصطفى كامل الدجوي، وجادت الأميرة فاطمة بمجوهراتها وحليها الثمينة لتأسيس هذه الجامعة التي أصبحت منارة في الوطن العربي والعالم، مع تذكيركم أن الوقف عرف قبل الإسلام بما يعرف بكسوة الكعبة، وعند قدماء المصريين للمعابد، ولقد أوقف النبي e فيما أخرجه ابن سعد عن محمد بن كعب أنه قال: أول صدقة في الإسلام وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم امواله لما قُتل مخيريق بأحد، وأوصى إن أصبت فأموالي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبضها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتصدق بها
1. إن العمل على تأسيس نخبة من كراسي الأستاذية في مختلف المجالات الدينية والدنيوية التعليمية غاية لإنشاء الصندوق الوقفي لجامعة النجاح الوطنية كجامعة رائدة على المستوى الاقليمي، والذي يهدف إلى تشجيع مختلف مؤسسات التعليم العالي على دعم الاتجاه للوقف التعليمي، والارتقاء به لما له من دور في ادخار الفائض في الزمن الحالي لحفظ مستقبل الأجيال المقبلة، حيث سيكون الصندوق الوقفي للجامعة تجسيداً حياً لشراكة حقيقية وفعالة بين المجتمع وبين الجامعة، وتعبيراً قوياً عن التفاف الهيئات والمؤسسات والأفراد خاصة خريجي الجامعة في الداخل والخارج حول رسالة الجامعة التي تسعى للنهوض بالمجتمع المحلي. فهدف الصندوق يكمن في:
• : تعزيز الموارد المالية الذاتية للجامعة أسوة بالجامعات العالمية لتحفيز الإبداع
• المساهمة في الأنشطة التي تعمل على الارتقاء بالجامعة إلى المستويات العالمية.
• دعم العلاقة بين الجامعة والمجتمع وربطها بتاريخه وحضارته.
• التشجيع والدعم للكليات ذات الاقبال المنخفض بنوعية من الطلاب من تخصصات علمية لتحسين نوعية الخريجبن الذين يخدمون المجتمع في كافة القطاعات.
إن صندوق الوقف التعليمي لجامعة النجاح الوطنية يفتح الأبواب للمؤسسات والأفراد في الداخل والخارج للمساهمة المباشرة في تحمل جانب من المسؤولية الاجتماعية الملقاة على عاتق كل الذين يعيشون على أرض هذا الوطن، أو انتفعوا من الجامعة فغرست فيهم روح الانتماء إلى هذا الشعب العظيم، ويسمح للمشاركين فيه بوضع بصمات خالدة في مسيرة التعليم الجامعي، ولهذا تعتبر المساهمة في الصندوق نموذجاً للعطاء والنجاح ومشاركة حقيقية في إعداد قادة المستقبل، ولذلك يسعي الصندوق الوقفي للجامعة لتوفير الفرص للمؤسسات والأفراد للمشاركة في تحمل جانب من المسؤولية الاجتماعية وفاءً للوطن. ويمكن أن يشمل من ناحية المبدأ الصندوق الوقفي مجالات استراتيجية:
1 - الطبقات الكبرى لابن سعد 388 / 1. 118
كراسي الأستاذية
المعاهد البحثية
: المرافق والبنية التحتية
: صندوق تطوير التقنيات
: المنح الدراسية
: صندوق تكافل الطلبة
: إن مساهمات الأفراد والمؤسسات تأتي استجابة لاحتياجات أكاديمية، وهي امثلة مشرّقة لنماذج العطاء والسخاء الناجحة، وسوف يسجل تاريخ الجامعة مبادرات ومواقف هذه النماذج المشرقة في جميع الحلقات، ويجعلها جزءاً من تاريخ هذه الجامعة، وهدف التسجيل هو إبداء التقدير والامتنان للمانحين الذين يحملون نفس أهداف الصندوق الوقفي التعليمي في خدمة أبناء الوطن، ومنها على سبيل المثال: منح حقوق التسمية للمجالات المدعومة. إبراز وترسيخ اسم المانحين في ردهة الشرف المخصصة لذلك في الجامعة. تكريم خاص خلال الملتقى السنوي للجامعة. حضور اجتماع سنوي مع رئيس الجامعة والإدارة العليا للصندوق الوقفي التعليمي للإطلاع على خطط الجامعة وبرامجها المستقبلية. تكريم المساهمين وعرض أسمائهم من خلال وسائل الإعلام. ذكر أسماء المانحين في التقرير السنوي الخاص بالصندوق الوقفي التعليمي. دعوات خاصة لحضور المؤتمرات والأنشطة والندوات التي تنظمها الجامعة. ربط إلكتروني بين موقع الجامعة ومؤسسة المانح. الأفضلية في توظيف النخبة من خريجي الجامعة المستفيدين من الصندوق الوقفي التعليمي. إن اختيار المرافق والبنية التحتية مثلاً كأحد برامج الصندوق يوفر مناخ تعليمي متميز، من خلال تحديث المختبرات التعليمية، وتأسيس قاعات بحثية، ومكتبات حديثة تساهم في التحصيل الدراسي، واكتساب المزيد من المعارف، مما يوفر فرص التدريس للطلبة من ذوى الاحتياجات الخاصة، وبرنامج المنح الدراسية يساهم في توفير الفرص للطلاب لاستكمال دراساتهم في مرحلتي البكالوريوس والدراسات العليا، ويمكن للمانحين في هذا البرنامج إنشاء صناديق بأسمائهم، وتخصيص استثمارات لتلبية الاحتياجات وصندوق التكافل للطلبة يجسد قيم التعاون، والوفاء التي يتميز بها الخريجين من الجامعة، بعد دخولهم ميادين العمل، ويمكن للمانح تقديم المساعدات المالية لهذا الصندوق، ليحقق التكافل مع الطلاب على مقاعد الدراسة فيشعر بشعورهم، كونه تخرج من هذه الجامعة وعانى معاناتهم، أو تأسيس صندوق يحمل اسمه لخدمة الطلبة المحتاجين. إن الصندوق الوقفي التعليمي عبر دعمه الاجتماعي سوف يقوم بتقديم البرامج والمناهج التي تحقق المستويات العالمية الرفيعة، فالمساهمة في الصندوق ستنعكس ايجابياً على جهود الجامعة في مجالات البحث العلمي ومواكبة المستجدات التقنية وخدمة المجتمع بشكل عام، في 119 ظل تحسس الصندوق لحاجات المجتمع، في كافة الميادين الدينية والدنيوية، والتزامه بشروط الواقفين للصندوق التعليمي. إن ورقتي هذه ستبحث مجموعة من الموضوعات والتصورات التأسيسية للصندوق، مع ما تحتويه من المرونة في التطوير والتحسين للوصول إلى أفضل النتائج المرجوة منها، ومن هذه الموضوعات:
المبحث الأول: مدخل إلى حقيقة الوقف التعليمي ومشروعيته
المبحث الثاني: الوقف النقدي والعيني في مذاهب الفقهاء:
المبحث الثالث: استثمار الأموال الوقفية لصالح صندوق الوقف التعليمي
المبحث الرابع: شروط الواقفين ومذاهب الفقهاء فيها:
المبحث الخامس: مجالات الوقف النقدي والعيني في دعم الصندوق في الجامعة: المبحث السادس: التراتيب الإدارية لصندوق الوقف التعليمي: المبحث السابع: التنظيم القانوني لصندوق الوقف التعليمي: ( يترك لقانوني لكتابة مواد القانون.