عبد الرحمن بن خلدون الرائد الحقيقي لعلم الاجتماع

Authors: 
أ.د. ذياب عيوش
Abstract: 

تدور ورقة البحث حول موضوع يلفه الجدل بين العلماء والباحثين منذ القدم وحتى اليوم الحاضر، وهو ما إذا كان ابن خلدون المؤسس الحقيقي وصاحب النشأة الأولى لعلم الاجتماع، أم أنه مجرّد ناقل أو مدّع أعطى نفسه ما لا يستحق!
وفي محاولة علمية موضوعية للإجابة عن هذا التساؤل الرئيس، تسلّط الورقة الضوء على جانب لافت لم يستكشفه الكثيرون في شخصيته، وهو أنه كان مفكرا قبل أن يكون مؤرخا، وأن التقاءه بالتاريخ كان أمرا عارضا في حياته، ومنعرجا مفاجئا بقدر ما كان حاسما، وأن أصالته الحقيقية إنما تكمن في استفادته من قراءة التاريخ واكتشافه العلم الجديد، وتحديده لموضوعه، وتبنّيه منهجا خاصا لدراسته. وهناك تأكيد على أن فكره الموسوعي ملّكه معرفة شمولية وظّفها في إثراء ذلك الوليد الجديد الذي سماه " علم العمران البشري والاجتماع الإنساني".
وتؤكد الورقة بالأدلة والحجج الكافية، أن ابن خلدون هو أول من تنبّه إلى قيام علم جديد بهذا الاسم، وأول من حدد موضوعه والمنهجية الملائمة لدراسته، وميّز بينه وبين العلوم الأخرى كعلم الخطابة وعلم السياسة وغيرهما، وأنه جاء بمنهج تاريخي واقعي لم يكن مألوفا في عصره يقارن فيه بين ماضي الظاهرة الاجتماعية وحاضرها عند معالجة الظواهر الاجتماعية بحيث يمكن القول أنه "اصطنع الأسس العامة لدراسة الظاهرة الاجتماعية وأنه يسبق بذلك جميع علماء الاجتماع الغربيين القدامى والمحدثين".
وتأتي هذه الورقة، أيضا، بمثابة مرافعة موضوعية للتأكيد على حسم الجدل الدائر، و على أن ابن خلدون هو المؤسس الحقيقي لعلم الاجتماع، وأنه إن كان استفاد من إطلالته الواسعة على الإنتاج الفكري والاجتماعي للفلاسفة اليونانيين والفلاسفة الإسلاميين الذين سبقوه ، إلا أن إبداعه وفكره قاداه إلى تجاوز معطياتهم و اكتشاف علم جديد ومنهجية جديدة يحتل فيها " قانون المطابقة" ،الذي تفجّر عنه علم العمران المستنبط النشأة آنذاك، مكانة خاصة، مما يشير إلى قناعة ابن خلدون بضرورة الجمع بين الماضي والحاضر، أي أن يكون عالم اجتماع ومؤرخا في الوقت ذاته، فيلتقي فيه البعدان اللذان عنهما تفتقت عبقريته.
خلاصة القول، تبيّن الورقة أن اكتشاف ابن خلدون لعلم الاجتماع، وتحديد موضوعه ومنهجا خاصا لدراسته، وحديثه عن أهمية العصبية والدين في قيام الدولة وسقوطها، ومماثلته العضوية بين الدولة والكائن الحي، ونظريته الدائرية في التغيّر الاجتماعي، وتحديده لعناصر العمران البشري، عمل إبداعي. كما أن ربطه بين تطوّر المجتمع وبين تقسيم العمل الاجتماعي، وإخضاعه الظواهر الاجتماعية لقوانين تحكمها وتوجهها، وتجاوزه مرحلة الأسلوب الوصفي وأسلوب الدعاية والوعظ في نقل الأحداث إلى ضرب من الدراسة المعمّقة في ضوء قوانين وضعية شاملة، وتنظيره عن الدولة بشكل غير مسبوق ، وحفاظه على التوازن بين الفكر الديني والفكر العلمي في التحليل ، وتفسيره المنطقي للانتقال من البداوة إلى الحضر، وإشارته إلى تأثير الهواء على أخلاق البشر، تثبت ريادة ابن خلدون وفهمه العميق للاجتماع الإنساني. كما أن مساهمته النوعية وطريقته من حيث أنه يضع القاعدة ثم يحاول البرهنة عليها بأمثلة من الواقع الاجتماعي ، تجعله الرائد الحقيقي لعلم الاجتماع دون منازع.