الحياة الاقتصادية في بيت المقدس وجوارها في فترة الحروب الصليبية 492-583ه/1099-1187م

اهتم المؤرخون الحديثون في الغرب والشرق بدراسة الحروب الصليبية، باعتبارها حلقةً هامةً من حلقات الصراع في العصور الوسطى، نظراً لما تركته من آثارٍ في تاريخ الأمم، وما ترتب عليها من نتائج هامة. وقد ظهرت مؤلفاتٌ كثيرةٌ في الغرب والشرقِ تناولت تاريخها وأحداثها بالدراسة والتحليل والنقد، وعلى الرغم من كثرة ما كُتب عنها من بحوث ومؤلفات ودراسات، إلا أنها لم تغط كل جوانبها، ولم تُظهر كل خفاياها،ولا زالت ميداناً هاماً،وحقلاً خصباً يتسعُ للعديد من البحوث والدراسات؛ لما تركته من آثارٍ متنوعةٍ في جميع الجوانب، وما كان لها من نتائج على جميع المستويات. ولما كُنت قد أخذت فكرةً واضحةً تماماً عن الحياة الاقتصادية،فقد وقع اختياري على موضوعالحياة الاقتصادية في بيت المقدس وجوارها في فترة الحروب الصليبية 583-492 هـ/ 1099-1187م. وقد قسمت البحث إلى خمسة فصول،جعلت عنوان الفصل الأول، (القدس منذ أقدم العصور وحتى بداية الغزو الصليبي لها)وعالجت فيه أصل تسمية المدينة بهذا الاسم، وتحدثت عن موقعها،وحدودها، وتضاريسها، ومناخها، ومصادر المياه فيها، وأشرت أيضا إلى القرى المحيطة بها وأهميتها، كما تعرضت للدول التي تعاقبت على حكمها حتى بداية الغزو الصليبي، وتطرقت للحديث عن حصار الصليبيين لها، والمقاومة الشعبية الفلسطينية للغزاة، وختمت الفصل بالحديث عن السيطرة الصليبية على القدس عام 492هـ /1099م. أما الفصل الثاني وعنوانه: (الأوضاع الاقتصادية في القدس وجوارها في بداية الغزو الصليبي) وتطرقت فيه للإقطاع الصليبي والمستوطنات المجاورة للقدس ودورها الاقتصادي والاستراتيجي، وتحدثت عن الأراضي الزراعية وتقسيماتها ومقاييس الأراضي، كما أشرت إلى الأساليب الزراعية التي استخدمها الصليبيون في الزراعة، كما تحدثت عن حيازة الصليبيين لأراضي القدس والمناطق المجاورة لها، وتوزيع تلك الأراضي على الكنائس والأديرة والمؤسسات الدينية العسكرية المحاربة. ثم تطرقت إلى أهم المنتجات الزراعية، كالأشجار المثمرة، والحبوب، والخضروات، كما تعرضت إلى الثروة الحيوانية. وجعلت عنوان الفصل الثالث:(الصناعات في القدس وجوارها) وتناولت فيه أهم الصناعات في القدس زمن الحكم الصليبي لها، مثل: صناعة استخراج زيت الزيتون، وصناعة الصابون، كما أشرت إلى صناعة النبيذ المقدس، كذلك تطرقت إلى صناعة السيوف، وتطرقت إلى صناعة الزجاج والأخشاب، وختمت الفصل بالحديث عن صناعة السكر وأهميتها للمستشفيات الصليبية. أما الفصل الرابع وعنوانه:(التجارة في القدس وجوارها)، وتحدثت فيه عن التجارة الداخلية، ثم تعرضت لوصف المحلات التجارية في المدينة، وتطرقت إلى دور المدن التجارية الايطالية في اقتصاد بيت المقدس، ثم تحدثت عن التجارة الخارجية بين مملكة بيت المقدس الصليبية والعالم الخارجي. وتحدثت عن أسواقها زمن الحكم الصليبي،كما أشرت إلى محاكم الأسواق. وتطرقت إلى وجودالفنادق لإيواءالحجاج الذين كانوا يأتون من الغرب الأوروبيلغرض التجارة والحج، وبعد ذلك تعرضت لذكر العملات الصليبية وعمليات الصيرفة، ونقل الأموال من أوروبا إلى القدس ومستوطناتها. أما الفصل الخامس والأخير من هذه الدراسة وعنوانه: (الضرائب في القدس وجوارها)،وتطرقت فيه إلى أنواع الضرائب وخاصة ضريبة العشر، التي كانت مقررة على الصليبيين، ثم أشرت إلى ضريبة الرأس التي يدفعها المسلمون واليهود، ثم تحدثت عن ضريبة الأسواق في المدينة، ضريبة الإنتاج، ثم تطرقت إلى ضرائب اخرى كضريبة الصولجان وضرائب الصادرات والواردات وضرائب الأسياد،وختمت الفصل بمناقشة التأثيرات الايجابية والسلبية على مدينة القدس وجوارها. وجعلت للبحث خاتمة ضمنتها أهم النتائج التي خرجت بها بعد دراستي لهذا الموضوع،كما ألحقت البحث بمجموعة من الملاحق التي تتصل اتصالا وثيقا بالموضوع لاسيما المطاحن الصليبية، كما أضفت إلى البحث مجموعة من الخرائط والصور والوثائق اللاتينية،وقائمة المصادر الأجنبية والعربية التي اعتمدت عليها . كان لابد من الاعتماد على عدد من المصادر الأجنبية والعربية،لما تضفيه هذه المصادر من معلومات تلقي الضوء على الأوضاع الاقتصادية،وتسهم إسهاما واضحا في فهمها. وقد أفدت كثيرا مما كتبه المؤرخون المسلمون والغربيون عن فترة موضوع الدراسة،ولا تقل الكتب الجغرافية وكتب الرحلات أهمية عن السجلات والوثائق والكتب التاريخية،إذ أنني استقيت منها الكثير من المعلومات التي غطت جوانب كثيرة أغفلتها المصادر التاريخية المعاصرة.ومعظم المصادر والوثائق الخاصة بفترة الحروب الصليبية،لا تزال بلغتها الأصلية كالفرنسية القديمة واللاتينية والقليل منها ترجم إلى اللغات الحديثة.ولعل نظرة نقدية تحليلية سريعة لأهم مصادر البحث تعطينا فكرة هامة عن المصادر التي زودت موضوع الدراسة بكثير من المعلومات القيمة التي لولاها لما قدر لهذا البحث أن يخرج بالصورة التي هو عليها الآن. وأنني في هذه الدراسة حاولت جاهداً في إظهار بعض جوانب الحياة الاقتصادية في القدس وجوارها خلال فترة الدراسة.